في "
نيويرورك"
وفي حقبة الستينات من القرن الماضي أخذ شابان يدعيان " خوليو " و" تاكي "
ينشران علامتهما الفارقة فوق جدران نيويورك ثم مالبثت الأشكال المختلفة من
الغرافيتي أن تعددت وانتشرت .. لاسيما بعد اللقاء الذي أجرته صحيفة نيويورك
مع " تاكي " فانهالت عليه الرسائل وتضاعف عدد اتباعه ممن غطوا جدران
المدينة بكتاباتهم .
ولكل شخص ميوله وفهمه لهذه الظاهرة ففي "
برلين " تتميز خرابيشها بخطوط عريضة يطغى عليها اللون الأسود على باقي الألوان الأخرى ..
يقول
رئيس دائرة شرطة مدينة برلين ماركو موريتس ان الأمر فى هذه الرسومات يدور
حول مخالفة قانونية انها حقا مخالفة وخصوصية من خصائص مخالفات الشباب وانها
ايضا مخالفة ترتكب بصورة جماعية ويتراوح عمر مرتكبيها بين 14 و20 عاما..
واضاف
ان الشباب يتوقفون يومًا ما عن ارتكاب مثل هذه المخالفات بحكم نضجهم
وتحملهم لمسؤولية اعمالهم ويبتعدون عن العلب البخاخة التى يستخدمونها فى بخ
الحبر لصنع خربشتهم على واجهات المنازل او الجسور او حافلات النقل العام
ليتم تولى تلك الأعمال من قبل جيل جديد وهكذا تدور هذه الاعمال فى حلقة
لانهاية لها فهى ظاهرة يتوارثها جيل عن جيل ..
ونبه إلى أن
الشباب الذين يمارسون أعمال الغرافيتي يمتلكون غالباً نظاماً خاصاً وجهاز
انذار مبكر ولاسيما عبر صفحات الانترنت لتبادل المعلومات وخاصة فيما يتعلق
بتواجد رجال الأمن وما اذا قدروا انجاز اعمالهم او الكف عنها ولو لفترة
قصيرة حتى تغيب عنهم انظار رجال الامن..
وأشار الى ان سلطات الامن
تراقب وسائل اتصالات شباب الغرافيتى بصورة مستمرة بحيث تستطيع ان تتوقف على
المكان والموعد المخصصين للرسم مضيفا بأن رجال الشرطة يغضون الطرف فى بعض
الأحيان لدى قيام بعض الشباب برسومات فى اماكن معينة بعيدة او اماكن خاصة
مثل الجسور..
واوضح ان بعض اصحاب المنازل والمبانى اضطروا الى شراء
اغطية خاصة للصقها فى الواجهات لوقاية الجدران من "الغرافيتي" مقدرا
الاضرار المادية التى تصيب اصحاب المبانى سنوياً جراء الغرافيتى باكثر من
25 مليون يورو..
وحول دوافع الغرافيتيين ذكر المسؤول الأمنى الولع
والشغف فى ترك البصمات الشخصية هنا وهناك مشيراً إلى ان عدم الافشاء بهوية
الغرافيتى تولد نوعا من التحدى بينه وبين سلطة الأمن من هذا المنطلق تفهم
اندفاعات ترك البصمات على الجدران ووسائل النقل العام والجسور..
وقال
انه توجد عصابات من الغرافيتيين تمتلك كل عصابة حياً معيناً لترك اثارها
الغرافيتية فيه مبينا بان هذه العصابات تقود ضد بعضها بعضاً أشبه بما يكون
بالحروب وان لكل عصابة أشكال معينة من الرسم ووضع البصمات فضلاً عن ان
ادوات الرسم تختلف من عصابة إلى اخرى مقدرا عدد العصابات فى برلين وحدها
باكثر من مائة عصابة وتتكون كل عصابة من خمسة الى ستة اشخاص .. وهم مسلحون
غالباً ..
وبين بأن ظاهرة الغرافيتى لا تظهر فقط فى الأحياء ذات
الدخل المحدود فى برلين بل أيضا فى الأحياء الراقية مثل داليم
وشارلوتينبورغ وتسيريندورف..
واكد رغبة المسؤولين فى محاربة هذه
الظاهرة مشيرا الى ان كل شخص يقوم بتقديم معلومات حول شخص يترك بصمات
الغرافيتى فى أى مكان يحصل على مكافاة قدرها نحو 1200 يورو مقدرا عدد
الغرافيتيين فى برلين باكثر من 8000 شخص من مختلف الجنسيات.
في عام 1984 قام عمدة مدينة "
فيلادلفيا " بتأسيس شبكة لمكافحة أعمال الغرافيتي واستدعى جين غولدن من ولاية
كاليفورنيا على عجل لإدارة شبكة الاتصال هذه في محاولة لإنقاذ المدينة. فما
هو الخطر الذي كان يتهدد فيلادلفيا في ذلك الوقت؟ وما هو دور جين - وهي
فنانة تشكيلية - ..
في عملية الإنقاذ هذه؟!
أحالت هذه المرأة
الحاذ قة جدران المدينة من مساحات مستباحة للخربشات وفوضى كتابات الغرافيتي
الجدارية إلى لوحات فنية تشغل زوايا المدينة وقلوب قاطنيها وزوارها
بالبهجة والألفة في آنٍ واحد .. كما استطاعت أن تعيد تأهيل مجموعات الشبان
العاطلين عن العمل من هواة الشغب الذين اتخذوا في منتصف الثمانينات من
جدران المدينة لوحاً مفتوحاً يدونون عليه شعاراتهم وصرخاتهم، ووسيلة
للإفصاح عن رفضهم وخروجهم عن شرعة المجتمع عبر برنامج التأهيل "
برنامج فن الجداريات"
Mural Arts Program ..
تقول جين عن هذه التجربة الفريدة قائلة:
(
في
البدء كان الأمر يبدو نكتة بالنسبة لسكان فيلادلفيا، وكان غير مشجع على
الإطلاق .. كيف يمكن استقطاب هؤلاء الشباب وترويض أفكارهم المتطرفة ومن ثم
توظيفها في خدمة قضايا عامة؟
فكرت ملياً في المخرج، وسرعان ما تبين لي الخيط الأبيض من الأسود. الحل يكمن في تنمية الحس الجمالي ونزعة التعبير من خلال الفن؟
" هنا بدأ نسيج الحلم يتضح") .
وأضافت: "
قررت
أن أحاول في البداية تعريف هؤلاء الشباب بجدوى تحويل كتاباتهم
الفوضويةالمدعاة لإستنكار من قبل الجميع، إلى رسالة جمالّية تطلق صرختهم في
أرجاء المكان..
كان الأمر مُضنياً حتى تم لي اكتساب ثقتهم بالرغم مما كانوا يعانون من ذيول التمييز العنصري والاضطهاد الطبقي..
هكذا
أضحى رفاق الشغب هؤلاء يستقدمون بعضهم بعضا لمتابعة الندوات وحلقات البحث
والتدريب التي كانت تنتظم في المركز للتعريف بتاريخ الرسوم الجدارية
وأدواتها ودورها التاريخي والمتجدد في خدمة المجتمع وبث الأفكار عن طريق
المنظور الجمالي البصري..
هكذا ولدت فكرة هذا البرنامج عام 1984،
وهكذا تحولت شلل الأمس في الشغب إلى رفاق في اللون والحلم انطلقوا في نشر
أفكارهم وتطلعاتهم نحو العدالة الاجتماعية لا عن طريق اللغة الساخطة من
فوضى الغرافيتي هذه المرة، بل في لوحات فنية عملاقة تكاد تباغتك في كل
زاوية أو ناصية وكأنها دعوة مستمرة للتآخي والفرح والتغيير"
قام
البرنامج منذ تأسيسه بتنفيذ 2,100 لوحة جدارية تنتشر في أنحاء المدينة،
بعضها داخلي والقسم الأكبر منها في الطرق العامة على واجهات الأبنيةو يشترك
اليوم في تصميم وتنفيذ الجداريات أبناء المدينة على اختلاف أعمارهم
وأصولهم وفئاتهم الاجتماعية.
يتبع.........